المكان : طريق مظلم بالقرب من أحد الأندية المعروف
الزمان : اقتربت الساعة من منتصف ليل إحدى ليالي
الشتاء الباردة ..
مها : تبدو على عجلة من أمرها تبحث عن شيء ما ..
مها : مِن هنا يا شريف ...
شريف : ( يحاول أن يلحق بها ) إيه الشارع الضلمة ده يا مها ؟ ! انتوا ازاي تِركنوا هنا ؟ !
مها : أنا عارفة؛ أهو المكان اللي لقيناه فاضي ..
شريف : وانت إيه اللي مخليكِ متأكده أنها لسه ما اتحركتش بالعربية ؟
مها : مـش عارفـة والله يا شريف .. بس مـن ساعة ما جينـا وأنا قلقانة من المكان ده وعندي
إحسـاس إ .. ( تتوقـف لثـواني، تتنـفـس الصعـداء قائـلة : ) الحـمد لله، أهـي عـربيتـهـا
منـورة هناك أهي ( تسرع الخطى ) زي ما توقعت .. أكـيد فيه حاجـه في العربية
معطلاها يلا مِد يا شريف .. مِد ...
شريف : ( يسرع الخطى ) ما انا بمِد أهو ..
مها : ( ساخرة ) أهي ياسيـدي شكـلها محتاسة مـش عارفة تدّوَّر العربية ( تقترب معاتبة : )
كده برده يا أميرة ( تقترب أكثر فتجد أميرة مضرجة بدمائها وملقـاة على وجهها فـوق
المقعد الأمامي للسيارة، تجزع وتصرخ من هول المفاجآة : ) أميرة .. ياخرابي، أميرة
أميرة .. أميرة .. شيل معايَّ يا شريف، إيه اللي جرى لك ؟ مين عمل فيكِ كده ؟
شريف : حاسبي .. حاسبي .. ماتحركيهاش، أميرة .. أميرة ..
مها : إلحقني يا شريف اطلب الاسعاف ..
لكن مين هي مها ؟ ومين هو شريف ؟ وميـن أميرة ! ؟ أميرة هـي أنا .. أعرفكم بنفسي : إحم .. إحم .. أنا أميرة؛ انسانة عادية عندي 29 سنة، مهندسة، جـميلة، مـثـقـفـة، والدي متوفي وعايشة مع أمي اللي هي كـل حـاجة في حياتي .. وزي أي بنـت بحـلـم بالفـارس الهـمام .. المستخبي ..
وبما إني لسه ما عرفتش فارس احلامي مستخبي فين ! وهبـت كـل وقتي للشغل؛ مـش بمزاجـي يعني .. أنا كنت بقول إيه ؟ آه حتسألوني إيه اللي جابك هنا وميـن اللي عمل فيـكِ كـده ؟ حاقـول كم مـا اعـرفش .. لأني زي مـا أنا إنسانة عادية فكـل يوم بيعدي عليَّ هو يـوم عـادي .. والنـهار ده بالذات كان يوم عادي جداً .. جداً ..
المكان :
بيتنا؛ شقـة كـبيرة قديمة في مصر الجديدة، ورثناها عن جـدتي أم أمي، بحب خـيوط الشمس لـما بتعدي من شباكي الصبح وتملس على وشي .. ياسلااام ليها عطر كده بيفكرني بنسايم زمن الحب والبراءة والأحلام، جدران البيت نفسه بتشدني لماضي مليان بالأناقة والشياكة .
والزمان :
هو الساعة سبعة الصبح؛ أخر يوم شغل في الأسـبوع، وكالمعتـاد لازم أبتدي اليوم بشـوية شـاي
و .. محمد عبد الوهاب :
حبيبي ياللي خيالي فيك .. ياللي حياتي بتكمل بيك .. مين انت ؟ .. ما اعرفش .. فين انت ؟ ما اعرفش .. ما اعرفش امتى وفين حلاقيك .. حبيبي .. حبيبي .. حبيبي ..
تخرج أميرة من غرفتها وتتجه إلى مائدة السفرة وهي تحمل بعض الرسوم الهندسية و تدندن : حبيبي .. حبيبي .. حبيبي .. ( تتناول القليل من الشاي ثم تضع الفنجال على المائدة وتُقَّلِّب في تلك الرسموم باهتمام شديد .. يبدو عليها أنها على عجلة من أمرها .. ) .
سامية : صباح الخير ياروح قلبي ..
أميرة : آه .. نسـيت أعرَّفكم دي ماما " سامية " ست الكل؛ بعـد ما بابا مات – الله يرحمه –
كَرَّسِت حيـاتها علشـاني .. أنا وبس .. و.. ييتدي موال كـل يـوم .. " : صباح الفـُل
والياسمين يا سوسو .. حبيبي .. حبيبي .. حبيبي ..
سامية : اقعدِ كملِ فطارك؛ الأكل حينزل في ركبك ..
أميرة : ( تضحك مداعبة ) ركبي ؟ ! معلش يـا قمر أنا مستعجلة قـوي عنـدي معاينة و.. يااااه
أنـا نسيتهم فين ؟ ( تبحث بداخـل حقيبتها ) اهُم .. تمام .. أصلي حاسلم المقـاول مبلـغ
كده ع الماشي في سكتي ..
سامية : مبلغ ايه ؟
أميرة : دفعة تحت الحساب ..
سامية : شيك ؟
أميرة : لأ كاش؛ معايَّ في الشنـطة مـن امبـارح ( تستطرد ) تصوري كـنت نـاسيـة المـشـوار
ده خالص ..
سامية : تـاني يا أميـرة بتـشيـلي مبـالغ زي دي معـاكِ ( تنهض وتضع قطعـه من الخبـز في فـم
أميرة تتبعها بقطعة جبن ) عايزة افهم المحاسب ما يديهملوش بنفسه ليه ؟ !
تمضغ أميرة الطعام بسرعة وتعقبه برشفة شاي قائلة : ممم .. حاحكيلك الحكاية تاني يا ماما ؟ ! سلام بقى انا مستعجلة بجد ..
سامية : ( بتردد ) بس أنا .. كنت عايزة أقعد أتكلم معاكِ شوية .
أميرة : ( تُقَبِّلها ) وانـا كـمان والله يا روحي بس انت شايفة ( تستطرد ) آه نسيت اقـول لـك أنا
حارجع على المكتب اسلم تقرير المعاينة والرسومات الهنـدسية اللي خـلصتها بالليل .
( تبحث حولها دون جدوى فتتوقف لبرهة وهي تفرك شعرها بعصبية وهي تتمتم : )
هو أنا حطيت المفاتيح فين ؟ فين يا ميرا ؟
سامية : ( مستاءة ) قصدك الفجر ..
أميرة : ايوه يا ستي الفجر ( تبحث في جنبات الأريكة ) .
سامية : وبعدين ؟
أميرة : ( منهمكة بالبحث ) وبعدين إيه ؟ أووووف مش لاقياهم .
سامية : فيه مشوار تاني تكملي بيه اليوم وتنسي بيه عمرك وأيامك ؟
أميرة : ( تُخرج رأسـها من داخل الأريكة بعد أن بعثـرت محتوياتها في كل اتجاه ) مش فاهـمة
تقصدي إيه يا سوسو ؟ ( تتلفت حولها بيأس ) هي راحت فين بس ؟
سامية : اقصد إيـه ؟ ! اقصد ان الأيام بتجري بيكِ وانتِ مـش حـاسة؛ ده اللي في سـنـك ولادهـم
بقوا طولهم وانت مش دارية .. ده حتى ..
أميرة : ( مقاطعة ) أهـا .. حـدوتة كـل يوم ( تلقي بنفسها على الأرض ثم تنبطح لتبحث تحت
الأريكة ) .
سامية : يعني أسكت ؟ طبعا زهقتِ مني ومن كلامي ...
أميرة : ( على مضض ) لأ يا ماما لسه مازهقتش قولي ..
سامية : يا بنتي عايزة افهم انت بتهربي من إيه ؟ من مستقبلك !
أميرة : مستقبلي هو شغلي لحد ...
سامية : لحد إيه ؟
أميرة : لحد ما ألاقيه .. ( تخـرج رأسـها من أسفل الأريكـة وهي في منتـهى السعادة ) أهُم ..
لقيتهم .. الحمد لله .
سامية : هو مين ؟ ( متهكمة ) فارس الأحلام ؟ !
أميرة : أكيد حلاقيه ( مؤكدة ) مسيري ألاقيه وخلاص بقى يا سوسو ماتقلبيهاش نكد ع الصبح
( تنهض بسرعة، تحمل حقيبـتها، و تهم بالانصراف ) أنا يومي بيتكـهرب لمـا بيبـتدي
بِزَعل معاكِ ( تقبلها ) موووه .. يلا يا جميلة سلام سلام .
سامية : ( تناديها ) أميرة ... أميرة ... وبعدها لك يا بنتي ..
( تخرج أميرة مسرعة وتغلق خلفها الباب لتجد أمامها جارتها وصديقة عمرها مها و .. قبيلتها )
مها : صباح الخير يا ميمو .
أميرة : أهلا يا قمراية .. صباح االخير يا كتاكيت ..
مها : سلموا على خالتوا يا ولاد ... على فين؟
أميرة : ع الشغل طبعا .. ومستعجلة موت ..
مها : ( متهكمة ) ع الشغل طبعاً ..! ياعيني يا بنتي .. ! نفسي مرة الاقيكِ نازلة بتجري كده
ومستعجلة حتقابلي واد مُزّ وأمور يا أميرة .
أميرة : ( تطلب المصعد ) ياريت .. ربنا يسمع منك .
مها : ( تتنهد ) امتى بس ؟ ( تداعبها ) مش حنفرح بيكِ بقى يا بت ؟
أميرة : ( متأففة ) يوووه هو في إيه النهار ده ؟ أنا لسه سامعه الحوار ده من خمس دقايق جوه
( تومىء بعينيها في تساؤل واستقراء للحقيقة ) انتوا اتفقتوا عليَّ ولاّ إيه ؟
مها : ( تتلعثم ) ها ؟ اتفاق ؟ اتفاق إيه وبتاع إيه ؟ إحنا عايزين مصلحتك .
أميرة : أها .. إحنا عايـزيين مـصلحتك .. ( تصرخ بعصبية ) واضح جداً جداً .. انتوا متفقين
تنـرفـزونـي ( تفتح باب المصعد ) ســلام .. ابـقي خُدِ الأسـانسير التـاني انتِ والقبـيـلة
بتاعتك ..
مها : استأني يا بنتي هـو انتِ على طول عصبية كده ! استني خُديني فـي سكـتك، يلا يا ولاد
ادخلوا ..
أسفل العقار ..
تدخل أميرة سيارتها بينما تفتح مها بابها الخلفي وتلقى بأولادها داخلها ثم تقفز بجوار أميرة في المقعد الأمامي بحركة واحدة ثم تتنفس الصعداء وتبتسم قائلة : يلا ..
أميرة : ( مستغربة ) يلا ايه ؟
مها : إيه اللي إيه ؟ سوقي ..
أميرة : ( تدير محرك السيارة ) على فين يا سُتُ هانم ؟
مها : النـادي طبعاً؛ هـو أنا ورايـا غيـره ( تستطرد ) أصل الواد المقروض زياد عنده سبـاق
سبـاحة ومصحي البيت كله م النجمة .
أميرة : النادي ! طب والمدرسة ؟ والحضانة ؟ خلاص قررتِ تقعديهم في البيت .. !
مها : ياريت .. أهو نوفـر مصاريفهم ( تضحك مُوضحة : ) أصل المسابقة دي على مستوى
الجمهـورية، ومدرسة زياد مشتـركة فيها ( تعتدل في جلستها بخيلاء ) واللي حيكسب
حيسفروه بلاد بره يلاعب عيال مدارس الدول المتقدمة ..
أميرة : ( تتطلع إليه في مرآة السيارة بفخر ) ممم .. والله وكبرت يا زيزو وحترفع راسنا قدام
الدول المتقدمة ..
زياد : ( بحماس ) وكمان حيدوني درجات زيادة في المدرسة ..
مها : أهـي تنـفع وقت زنقه في العربي ولاّّ التـاريخ ( تستطرد ) وأنا بـقى بطلت إخـواته من
مدارسهم وحضاناتهم علشان يشجعوه ..
حمزة ويوسف ومايا : ( مهللين ) زيزو .. زيزو .. زيزو ..
أميرة : ( تبتسم وتهلل معهم بضربات متتالية على آلة التنبيه ) زيزو .. زيزو .. ( لحظات )
وحترَوَحوا إزاي ؟ ولاّ أعدي عليكم آخدكم وأنا راجعة ..
مها : لا ماتشغليش بالك انتِ، أبوهم حيروحنا وهو راجع من النبتشية ..
أميرة : على كده انتم حترجعوا على طول .. !
مها : أيوه .. أهو وليـد ياكل له لقمة وينـام شوية، وبعـدين يودينا النـادي تاني علشان تمـرين
الكـاراتيه ( تلمع برأسـها فكـرة : ) بقول لك إيه ؟ مـاتيجي معانا تتفـرجي ع الواد وهو
بيـاخـد الكـاس ( تنـظر خلفهـا ) هو صحيح زيـاد تخين حبتين .. ؛ بس والله العظيم مـا
شفتيهوش وهو بيعوم .. ريشه كـده على وش المية .. ها .. ؟ قلتِ إيه ؟ حاتيجي ؟
أميرة : ( مستنكرة ) آجي فين ؟ هو انا يا بنتي فاضيه لك ! أنا عندي شغل ..
مها : بس اسمعيني؛ دي يادوب ساعة زمن، يخلص السباق ونمشي على طول ( تستطرد )
ده انت لو نزلتِ النـادي بالطـقم الجامد ده، والبـرفان اللي يدوب الصخر ده، حتقلبيه
وتخلي عاليه واطيه .. ومش بعيد تصطاديلك حكم دولي من المسابقة دَ ..
( يقاطعها هاتف أميرة الخلوي بنغمة أغنية محمد عبد الوهاب المفضلة لديها ) .
أميرة : ممكن تسكتِ شوية وتبطلي رغي لغاية ما اخلص التليفون ده ..
مها : أبَـطَـل رغـي ! حـاضر، يـلا يـا ولاد سَمَّـعـوا طنـط الأغنيـة الـلي بتحبـها علـشــان
تتسـلى وهي بتتكلم في التليفون .
أميرة : ألو .. أيوه يا باشمهندس ..
( يبدأ زياد بالغناء ويرد عليه كوراااال الأطفال ) .
أميرة : ( تسد إحدى أذنيها ) أيوه .. أنا طالعة ع الموقع .
عماد : ................
أميرة : حالاً يا فندم ثواني واكـون هناك .. إيه ؟ مش سامعة .. إيه .. سيب شعري واسكـت
شويه ...
عماد : .................
أميرة : لأ مش حضرتك؛ ده أنا بكلم زياد ...
عماد : ................
أميرة : ( مستغربة ) زياد مين ؟ ابن اختي .. أصلي كنت بوصلهم لحـ..
عماد : ............
أميرة : لأ يا فندم حينزلوا خلاص .. تمام .. تمام .. ( تغلق الخط وتنظر إلى مها بغيظ ) على
فكرة أنا رفدي حيكون على إيدك انتِ والكورال بتاعك ..
مها : ياريت .. أهو تفضي لنفسك شويه .. و ..
تُخرج أميرة يد يوسف من داخل كُم قميصها ثم تحمله وتلقيه على المقعد الخلفي قائلة : بَس .. بَس .. ( تلتفت إلى أميرة : ) بصي .. ( تنزع يد حمزة من حـول رقبتها ) أنا حانزلـكم على أول شارع السيرك وأمشي على طول ..
مها : سيرك ؟
أميرة : قصدي النادي .. ( تتمتم ) الله يخرب بيتوكم ع الصبح .. إيه ده مخلفة قرود ! ناقصكم
بس اتنين كيلو موز وشوية سوداني .
مها : بتقولي حاجه ؟
أميرة : ( تبتسم كاظمة غيظها ) لأ مابقولش حاجة .. حقول إيه ؟ الجو جميل ..
****************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق